من طرف MAMDOUH الأحد ديسمبر 05, 2010 4:44 am
بناء حائط الصواريخ
الدفاع الجوي الجديد مطلوب له أسلحة ومعدات جديدة ومتطورة.. ومطلوب له مواقع خرسانية محصنة تحميه من طائرات العدو!
مشكلة السلاح المتطور وذخيرته وقطع غياره تولاها الرئيس عبدالناصر الذيسافر يوم22 يناير1970 إلي موسكو ولم تكن المسألة سهلة لأن اجتماعاتالكرملين عاصفة ساخنة, ونجح ناصر في إقناع القيادة السوفيتية بإمداد مصربكتائب صواريخ بتشورا وصواريخ ستريلا ومدافع23 مم الرباعية ووحداترادار.. وانتهت مشكلة سلاح وبقيت مشكلة الأطقم التي ستعمل علي هذاالسلاح والمشكلة أن التدريب يستغرق شهورا!
إنشاء المواقع الحصينة اتضح أنه معركة شرسة وليس مجرد مشكلة.. وعندمابدأت مصر البناء خرج صقور الصهاينة علي العالم كله بتصريحات ثلاثة لكلمن: إيجال ألون نائب جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاعوحاييم بارليف رئيس الأركان.. الثلاثة قالوا: لن نسمح بإدخال الصواريخالمضادة للطائرات المصرية إلي الجبهة وسيواصلون القصف الجوي لمنع بناءالمواقع المحصنة, لأن إقامتها سيوفر لمصر قدرات هجومية وسيوجد لديهاشعورا بالحرية لفعل ما تريد.
تصريحات مغرورة وقحة لأن المواقع التي تبنيها مصر هي علي أرض مصرية وفيغرب القناة التي عليها قوات مصرية.. لكن ماذا نقول للغرور الذي تحميهالإرادة الدولية؟
هذه أيام فارقة في تاريخ مصر وفيها تجلت عظمة وشجاعة وجرأة المصريين..جيشا وشعبا لأن بناء هذه الحصون قضية حياة أو موت بالنسبة لنا.. لأنه لاحرب ولا اقتحام للقناة دون دفاع جوي, ولن يدخل الدفاع الجوي الجبهة إلاببناء الحصون.. وبدأت أعنف معركة خاضها شعب وجيش مصر!
شركات البناء الكبيرة.. المقاولون العرب وحسن علام ومختار إبراهيموشركات أخري.. كلها بمهندسيها وفنييها وعمالها مع مقاتلي الدفاع الجويوسلاح المهندسين يعملون طوال الليل ويتوقفون طوال النهار, لأن الغاراتلا تتوقف لحظة!. نحن نبني بالليل وهم يهدمون بالنهار.. ومع هذا نجحنانحن وفشلوا هم, رغم أنهم نفذوا332 غارة جوية علي مواقع البناء وخلالهاوقع شهداء مدنيون وعسكريون!
حرب الاستنزاف قائمة في سيناء والحرب علي حصون الدفاع الجوي قائمة غربالقناة حتي إن الأمر بدا وكأن الصراع انحصر بين الدفاع الجوي المصريوالطيران الحربي الصهيوني!
يوم9 أبريل اجتمع الرئيس عبدالناصر مع أربعة من قادة كتائب الدفاع الجويفي حضور وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد الدفاع الجوي, وبدأ الاجتماعفي السابعة مساء وانتهي في الثالثة صباحا, وتكرر نفس الاجتماع لنفسالمدة يوم16 أبريل!
الاجتماع ناقش الوضع ووضع يده علي المشكلة وهي عربدة الطيران الصهيوني دونردع فاعل!. أطقم السلاح الجديد التي تتدرب في الاتحاد السوفيتي لن تحضرإلا في أغسطس!. صعوبة قبول هذا الواقع!. صعوبة إعادة نشر كتائبالصواريخ(8 كتائب) علي الجبهة دون وجود الحصون الخرسانية, وفي نفسالوقت صعوبة بناء الحصون دون حماية من كتائب الصواريخ!
انتهي الأمر إلي حل مؤقت وهو عمل كمائن بكتائب الصواريخ في طريق دخولالطيران الصهيوني والعودة بعد الاشتباك إلي أماكنها بسرعة.. ونجح هذاالحل وأوقع خسائر في العدو لكنه لم يكن بديلا عن الخطة الأصلية وهي دفاعجوي جديد دائم في الجبهة!
الوقت دقيق والصعوبات تكاد تكون مستحيلة وعربدة الطيران الصهيوني مستمرةوالحل الأوحد هو المستحيل بعينه, فكيف ندخل إلي الجبهة حائط صواريخمصريا يكون دفاع مصر الجوي القائم والثابت في خط النار لحماية جيش مصروسماء مصر؟
الرجال يواصلون الليل بالنهار في اجتماعاتهم التي تبحث آلاف التفصيلاتالتي سيقوم عليها ويستند إليها القرار المستحيل.. الذي استعرض تفاصيلالتفاصيل لأننا نتكلم عن تكنولوجيا متطورة مطلوب إخضاعها لأوضاع جديدة!.نتكلم عن أجهزة ومعدات دقيقة حساسة تعمل في ظروف خاصة ومناخ خاص, ومطلوبحلول لأجل أن تعمل في وضع مختلف جذريا!. نتكلم عن شبكة اتصالات داخليةوخارجية تقنيتها عالية جدا وكفاءة عملها مرتبطة بمتطلبات مكانها, ومطلوبأن تقام هذه الشبكة وتربط هذه الشبكة وتعمل هذه الشبكة في لا وقت وتحتالقصف الجوي!. نتكلم عن حصون وعن إمداد وعن بنود لا حصر لها وعن غايةالسرية في التكتم وغاية السرعة في التنفيذ!. كل هذه الإجراءات والمفرداتوالتفصيلات انصهرت في خطة جاهزة للتنفيذ يوم24 يونيو1970.
ــ يوم25 يونيو: ثماني كتائب صواريخ دفينا تم تمركزها بين بلبيس شمالاوعلامة الكيلو30 طريق السويس جنوبا والتعليمات منع الإشعاع تماما في كلالاتجاهات منعا لرصدها إلكترونيا!. لا أحد يعرف موعد التحرك للجبهة!
ــ يوم28 يونيو: المهندسون العسكريون بدأوا التجهيز الميداني للمواقع المخططة وقبل أن تغرب الشمس انتهوا من عملهم.
علي جانب آخر بدأت في الرابعة بعد الظهر عملية تلقين التحرك للكتائبالأربع التي تحركت بالفعل مع آخر ضوء إلي مواقعها في الجبهة, والتحركونحن نتكلم عن مسافة تقترب من الـ40 كيلومترا والوصول وتجهيز المعداتللاشتباك وتركيب الهوائيات, كل هذا تم في إضاءة مقيدة بالبطاريات وفيصمت لاسلكي تام!
ــ فجر يوم29 يونيو: الكتائب الأربع في مواقعها وجاهزة للاشتباك ودخلت منظومة تعاون نيران الدفاع عن القاهرة.
ــ آخر ضوء يوم29 يونيو: تحركت الكتائب الأربع الأخري واحتلت مواقعهاوقبل أن يرحل الليل الكتائب جاهزة للاشتباك ودخلت منظومة الدفاع الجوي عنالقاهرة!
ــ يوم30 يونيو: في الجبهة الآن تجمع جديد لقوات الدفاع الجوي شكلتحائط صواريخ أنا لن أتكلم عنه لكن أترك شهادة اثنين من الخبراء العسكريينفي هذا المجال أحدهما أمريكي واسمه لورانس والثاني صهيوني واسمه زيفوكلامهما منشور في مرجعين الأول حرب القناة والثاني اسمه فانتوم فوقالنيل.. جوز الخبراء قالا:
شبكة الدفاع الجديدة تتمركز في مستطيل طوله70 كيلومترا من غربالإسماعيلية شمالا وحتي طريق السويس جنوبا بعمق30 كيلومترا وأقرب كتائبهعلي بعد23 كيلومترا من القناة. هذه الشبكة توفر مظلة دفاع جويبمواجهة110 كيلومترات من الشمال إلي الجنوب بموازاة القناة وبعمق70كيلومترا من الشرق إلي الغرب. ورغم أن الكتائب تتمركز في مواقع سريعةالتجهيز فإنها شكلت تجمعا متكاملا متعاونا بالنيران والطائرة التي تهاجمموقعا تتعرض لنيران ثلاثة أو أربعة صواريخ أخري من كل الاتجاهات.والطيران المنخفض يجد نفسه أمام نيران صواريخ الضبع الأسود التي تتعامل معالطيران المنخفض وتجبر الطيار علي الارتفاع ليتفاداها فيدخل في نطاق نيرانالصواريخ!. التجمع الجديد أصبح قادرا علي تقديم الحماية للقوات البريةفي الجبهة وتقديم الحماية للعاملين في بناء المواقع المحصنة باستثناء شريطعرضه عشرة كيلومترات غرب القناة.
تلك كانت شهادتهم التي تؤكد وجود حائط صواريخ علي الجبهة!.
نحن في يوم30 يونيو1970 وهذا اليوم بالنسبة لنا مختلف تماما عن كل ماسبقه من أيام ولابد أن يكون مختلفا لأن لمصر منذ هذا الصباح حائط صواريخقادرا علي منع العربدة الصهيونية في سماء مصر!. هذه هي الحقيقة التيرفضت الغطرسة الصهيونية أن تفهمها وراحت تمارس نفس لعبة العربدةالجوية.. فماذا حدث؟.
في صباح يوم30 يونيو حلقت طائرة استطلاع صهيونية ورصدت أجهزة الرادارموقعها حيث تحلق علي ارتفاع12 كيلومترا وعلي حدود مدي نيراننا وبالفعلاشتبكت معها الكتيبة416 بصاروخ فلتت منه الطائرة وعادت لقواعدها لكن هذهالمرة بالنبأ اليقين.. المصريون شيدوا حائط صواريخهم!.
حائط الصواريخ المصري توقع الهجوم واستعد للرد ومرت الثواني ببطء وليسالدقائق والساعات.. وبعد آخر ضوء رصدت الرادارات المصرية24 طائرةصهيونية قادمة لأجل تحطيم حائط الصواريخ وهذا فكرها وغرضها وحلمها, لكنأبدا لن يتحقق وفي صدور الرجال.. رجال الدفاع الجوي قلوب تنبض!
معركة هائلة نشبت بين الأربع والعشرين طائرة وبين حائط الصواريخ المصريعلي مواجهة110 كيلومترات وأسقط الدفاع الجوي المصري أربع طائرات..اثنتين فانتوم واثنتين سكاي هوك وشهد يوم30 يونيو سقوط أول طائرة فانتومبصاروخ مصري وتم أسر أربعة طيارين صهاينة!
يوم30 يونيو انتهي الأمر بعد أن عرف الصهاينة يقينا أن للمصريين دفاعاجويا قادرا علي الردع, وفي أول مواجهة حقيقية أسقط أربع طائرات وأسرأربعة طيارين!. عرف الصهاينة أن السماء علي القناة لم تعد متاحة ولامباحة!. أيقن الصهاينة أنه لا شيء في السماء بعيد عن متناول المصريينابتداء من30 يونيو!
وجاء شهر يوليو ويبدو أن الصهاينة أرادوا المغامرة بشيء ستتوقف عليهأشياء!. أرادوا التأكد من حقيقة هي مستحيلة.. حقيقة إقامة المصريينلحائط صواريخ دفاع جوي في الجبهة!. الصهاينة لا يعرفون هو حلم أمعلم.. خيال أم حقيقة.. هل حقا علي الجبهة حائط صواريخ مصري.. هلفعلها المصريون.. كيف والأمر مستحيل بكل الطرق وكل اللغات!. خلاصةالقول أراد الصهاينة القيام بهجوم جوي وبعدها يكون قرارهم الأخير!
فعلوها وجاء الرد منا عليهم كالضرب علي القفا!. الدفاع الجوي المصريأسقط عشر طائرات صهيونية.. خمس في عين العدو فانتوم وهي آخر ما ابتكرتأمريكا.. وخمس أخري في العين الأخري سكاي هوك وخمسة ثالثة في عين العدوأيضا من الطيارين الصهاينة الأسري!
بعد الخمسات الثلاث.. خمس فانتوم وخمس سكاي هوك وخمسة طيارين أسري..بعدها قال العدو حقي برقبتي.. ألا تكفي حرب الاستنزاف حتي تخرج عليناحرب الدفاع الجوي! العدو الصهيوني استعان بصديق لأجل إعادة طرح مبادرةروجزر لإيقاف النار التي رفضها الصهاينة بعد يونيو1967!. أمريكا أعادتطرح مبادرة روجرز بعد أن دخلت حرب الاستنزاف مرحلة استنزاف أرواح الصهاينةوبعد أن أدخل الدفاع الجوي حائط صواريخه للجبهة.. مسقطا أي طائرات حتيولو كانت فانتوم!
مصر رفضت أن تكون المبادرة منها لقبول المبادرة وقبل الصهاينة أن يبادرواهم بالقبول وهذا علي خلاف الغطرسة الصهيونية, لكنهم قبلوا لأن القواتالخاصة المصرية لا تهدأ وحائط صواريخ الدفاع الجوي لا يرحم!
يوم7 أغسطس وقبل إعلان وقف إطلاق النار يوم8 أكتوبر.. مصر تقدمتبحائط الصواريخ المصري30 كيلومترا تجاه القناة وأضافت أربع كتائب أخريللحائط, وبذلك باتت قناة السويس سماؤها مؤمنة بصواريخ دفاع مصر الجوي,